فصل: قال البقاعي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأثور:

{إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (201) وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ (202) وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآَيَةٍ قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (203)}.
أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {إنَّ الذين اتقوا} قال: هم المؤمنون.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا في ذم الغضب وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {إذا مسهم طيف من الشيطان} قال: الغضب.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: الطيف: الغضب.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك أنه قرأ {إذا مسهم طائف من الشيطان} بالألف {تذكروا} قال: هَم بفاحشة فلم يعملها.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله: {إذا مسهم طيف من الشيطان تذكروا} يقول: إذا زلوا تابوا.
وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان من طريق وهب بن جرير عن أبيه قال: كنت جالسًا عن الحسن إذ جاءه رجل فقال: يا أبا سعيد ما تقول في العبد يذنب الذنب ثم يتوب؟ قال: لم يزدد بتوبته من الله إلا دنوًا. قال: ثم عاد في ذنبه ثم تاب؟ قال: لم يزدد بتوبته إلا شرفًا عند الله. قال: ثم قال لي: ألم تسمع ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت: وما قال؟ قال: «مثل المؤمن مثل السنبلة تميل أحيانًا وتستقيم أحيانًا- وفي ذلك تكبر- فإذا حصدها صاحبها حمد أمره كما حمد صاحب السنبلة بره، ثم قرأ {إن الذين اتقوا إذا مسهم طيف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون}».
وأخرج أبو الشيخ عن محمد بن كعب قال: إن الله لم يسم عبده المؤمن كافرًا، ثم قرأ {إن الذين اتقوا إذا مسهم طيف من الشيطان تذكروا} فقال: لم يسمه كافرًا ولكن سماه متقيًا.
وأخرج ابن مردويه عن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ {إذا مسهم طائف} بالألف.
وأخرج عبد بن حميد عن الأعمش عن إبراهيم ويحيى بن وثاب قرأ أحدهما طائف، والآخر طيف.
وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير أنه قرأ {إذا مسهم طائف} بالألف.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في الآية قال: الطائف اللمة من الشيطان {تذكروا فإذا هم مبصرون} يقول: إذا هم منتهون عن المعصية، آخذون بأمر الله، عاصون للشيطان وإخوانهم. قال: إخوان الشياطين {يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون} قال: لا الإِنس عما يعملون السيئات ولا الشياطين تمسك عنهم {وإذا لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها} يقول: لولا أحدثتها لولا تلقيتها فأنشأتها.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس {وإخوانهم يمدونهم في الغي} قال: هم الجن يوحون إلى أوليائهم من الإِنس {ثم لا يقصرون} يقول: لا يسامون {وإذا لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها} يقول: هلا افتعلتها من تلقاء نفسك.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد {وإخوانهم من الشياطين يمدونهم في الغي} قال: استجهالًا وفي قوله: {لولا اجتبيتها} قال: ابتدعتها.
وأخرج الحكيم الترمذي عن عمر بن الخطاب قال: أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أعرف الحزن في وجهه، فأخذ بلحيتي فقال: «إنا لله وإنا إليه راجعون، أتاني جبريل آنفًا فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون. قلت: أجل، فإنا لله وإنا إليه راجعون، فما ذاك يا جبريل؟! فقال: إن أمتك مفتتنة بعدك بقليل من الدهر غير كثير، قلت: فتنة كفر أو فتنة ضلالة؟ قال: كل ذلك سيكون. قلت: ومن أين ذاك وأنا تارك فيهم كتاب الله...! قال: بكتاب الله يضلون، وأول ذلك من قبل قرائهم وأمرائهم، يمنع الأمراء الناس حقوقهم فلا يعطونها فيقتتلون، وتتبع القراء أهواء الأمراء فيمدونهم في الغي ثم لا يقصرون، قلت: يا جبريل فيم يسلم من سلم منهم؟ قال: بالكف والصبر إن أعطوا الذي لهم أخذوه وإن منعوه تركوه».
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة {قل إنما أتبع ما يوحى إليَّ من ربي} قال: هذا القرآن {هذا بصائر من ربكم} أي بينات فاعقلوه {وهدى ورحمة} لمن آمن به وعمل به ثم مات عليه. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآَيَةٍ قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (203)}.
مَنْ شَاهَدَ الحقَّ من حيث الخلْق سقط في مهواة المغاليط، فهو في متاهات الشَّكِّ يجوب منازلَ الرِّيب، ولا يزداد إلا عمًى على عمًى. ومَنْ طالَعَ الخَلْق بعين تصريف القدرة إياهم تحقق بأنهم لا يظهرون إلا في معرض اختيار الحق لهم، فهو ينظر بنور البصيرة، ويستديم شهود التصريف بوصف السكينة. اهـ.

.قال أبو حيَّان:

وأطلق على القرآن بصائر إمَّا مبالغةً؛ وإمَّا لأنَّهُ سبب البصائر، وإمَّا على حذف مضاف أي: ذو بصائر ثم قال: {وهُدىً} والفرقُ بين هذه المرتبة وما قبلها إنَّ النَّاس في معارف التوحيد، والنبوة والمعاد ثلاثة أقسام:
إحدها: الذين بلغوا في هذه المعارف بحيث صاروا كالمشاهدين لها، وهم أصحاب عين اليقين.
والثاني: الذين بلغُوا إلى ذلك الحد إلاَّ أنهم وصلوا إلى درجات المستدلِّين، وهم أصحاب علم اليقين فالقرآنُ في حقِّ الأولين وهم السَّابقُون بصائر، وفي حق القسم الثاني هُدىً، وفي حق عامَّة المؤمنين رحمة، ولمَّا كانت الرفق الثلاث من المؤمنين قال: {قَوْمٍ يُؤمنُونَ}. اهـ. باختصار.

.تفسير الآية رقم (204):

قوله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما عظم الله شأن القرآن، فكان التقدير: فآمنوا به تفلحوا، عطف عليه قوله: {وإذا قرئ القرآن} أي وهو هذا الذي يوحى إليّ، فتأدبوا وتواضعوا لأنه صفة ربكم {فاستمعوا له} أي ألقوا إليه أسماعكم مجتهدين في عدم شاغل يشغلكم عن السمع.
ولما كان بعض الفهماء يسمع وهو يتكلم، أشار إلى أن هذا الكتاب أعلى قدرًا من أن يناله من يشتغل عنه بأدنى شغل فقال: {وأنصتوا} أي للتأمل والتدبر لتنجلي قلوبكم فتعلموا حقيقته فتعلموا بما فيه ولا يكون في صدوركم حرج منه؛ ولما كان ظاهر الآية وجوب الإنصات لكل قارئ على كل أحد، رغب فيه تعظيمًا لشأنه فقال: {لعلكم ترحمون} أي لتكونوا على رجاء من أن يكرمكم ربكم ويفعل بكم كل ما يفعله الراحم مع المرحوم. اهـ.

.قال الفخر:

{وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (204)}.
اعلم أنه تعالى لما عظم شأن القرآن بقوله: {هذا بَصَائِرُ مِن رَّبّكُمْ} [الأعراف: 203] أردفه بقوله: {وَإِذَا قرئ القرءان فاستمعوا لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَإِذَا قرئ القرءان فاستمعوا لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى:
الإنصات السكوت والاستماع، يقال: نصت، وأنصت، وانتصت، بمعنى واحد.
المسألة الثانية:
لا شك أن قوله: {فاستمعوا لَهُ وَأَنصِتُواْ} أمره، وظاهر الأمر للوجوب، فمقتضاه أن يكون الاستماع والسكوت واجبًا، وللناس فيه أقوال.
القول الأول: وهو قول الحسن وقول أهل الظاهر أنا نجري هذه الآية على عمومها ففي أي موضع قرأ الإنسان القرآن وجب على كل أحد استماعه والسكوت، فعلى هذا القول يجب الإنصات لعابري الطريق، ومعلمي الصبيان.
والقول الثاني: أنها نزلت في تحريم الكلام في الصلاة.
قال أبو هريرة رضي الله عنه: كانوا يتكلمون في الصلاة فنزلت هذه الآية، وأمروا بالإنصات، وقال قتادة: كان الرجل يأتي وهم في الصلاة فيسألهم، كم صليتم وكم بقي؟ وكانوا يتكلمون في الصلاة بحوائجهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
والقول الثالث: أن الآية نزلت في ترك الجهر بالقراءة وراء الإمام.
قال ابن عباس قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة المكتوبة وقرأ أصحابه وراءه رافعين أصواتهم، فخلطوا عليه، فنزلت هذه الآية وهو قول أبي حنيفة وأصحابه.
والقول الرابع: أنها نزلت في السكوت عند الخطبة، وهذا قول سعيد بن جبير ومجاهد وعطاء وهذا القول منقول عن الشافعي رحمه الله، وكثير من الناس قد استبعد هذا القول، وقال اللفظ عام وكيف يجوز قصره على هذه الصورة الواحدة.
وأقول هذا القول في غاية البعد لأن لفظة إذا تفيد الارتباط، ولا تفيد التكرار، والدليل عليه أن الرجل إذا قال لامرأته إذا دخلت الدار فأنت طالق، فدخلت الدار مرة واحدة طلقت طلقة واحدة، فإذا دخلت الدار ثانيًا لم تطلق بالاتفاق لأن كلمة {إِذَا} لا تفيد التكرار.
إذا ثبت هذا فنقول: قوله: {وَإِذَا قرئ القرءان فاستمعوا لَهُ وَأَنصِتُواْ} لا يفيد إلا وجوب الإنصات مرة واحدة، فلما أوجبنا الاستماع عند قراءة القرآن في الخطبة، فقد وفينا بموجب اللفظ ولم يبق في اللفظ دلالة على ما وراء هذه الصورة، سلمنا أن اللفظ يفيد العموم إلا أنا نقول بموجب الآية، وذلك لأن عند الشافعي رحمه الله: يسكت الإمام، وحينئذ يقرأ المأموم الفاتحة في حال سكتة الإمام كما قال أبو سلمة للإمام سكتتان، فاغتنم القراءة في أيهما شئت، وهذا السؤال أورده الواحدي في البسيط.
ولقائل أن يقول: سكوت الإمام إما أن نقول: إنه من الواجبات أو ليس من الواجبات والأول باطل بالإجماع والثاني يقتضي أن يجوز له أن لا يسكت.
فبتقدير: أن لا يسكت يلزم أن تحصل قراءة المأموم مع قراءة الإمام، وذلك يفضي إلى ترك الاستماع، وإلى ترك السكوت عند قراءة الإمام، وذلك على خلاف النص، وأيضًا فهذا السكوت ليس له حد محدود ومقدار مخصوص والسكتة للمأمومين مختلفة بالثقل والخفة، فربما لا يتمكن المأموم من إتمام قراءة الفاتحة في مقدار سكوت الإمام، وحينئذ يلزم المحذور المذكور، وأيضًا فالإمام إنما يبقى ساكتًا ليتمكن المأموم من إتمام القراءة، وحينئذ ينقلب الإمام مأمومًا، والمأموم إمامًا، لأن الإمام في هذا السكوت يصير كالتابع للمأموم، وذلك غير جائز، فثبت أن هذا السؤال الذي أورده الواحدي غير جائز، وذكر الواحدي سؤالًا ثانيًا على التمسك بالآية.
فقال: إن الإنصات هو ترك الجهر والعرب تسمي تارك الجهر منصتًا، وإن كان يقرأ في نفسه إذا لم يسمع أحدًا.
ولقائل أن يقول: إنه تعالى أمره أولًا بالاستماع واشتغاله بالقراءة يمنعه من الاستماع، لأن السماع غير، والاستماع غير، فالاستماع عبارة عن كونه بحيث يحيط بذلك الكلام المسموع على الوجه الكامل، قال تعالى لموسى عليه السلام: {وَأَنَا اخترتك فاستمع لِمَا يُوحَى} [طه: 13] والمراد ما ذكرناه، وإذا ثبت هذا وظهر أن الاشتغال بالقراءة مما يمنع من الاستماع علمنا أن الأمر بالاستماع يفيد النهي عن القراءة.